الأعنف منذ عقدين.. هجمات المستوطنين تتوسع من الحقول إلى قلب التجمعات الفلسطينية

الأعنف منذ عقدين.. هجمات المستوطنين تتوسع من الحقول إلى قلب التجمعات الفلسطينية
مستوطنون إسرائيليون يحملون السلاح في الضفة

كشفت تحقيقات ميدانية عن موجة متفاقمة من العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب على غزة، وترسم الشهادات التي جمعتها الصحيفة صورة قاتمة لانفلات غير مسبوق، تجاوز في حدته واتساعه كل ما شهدته الأراضي الفلسطينية خلال العقدين الماضيين.

 ويؤكد تحقيق صحيفة "فايننشيال تايمز" المنشور يوم الأحد أن الممارسات التي كانت في السابق موسمية أو محدودة النطاق تحولت إلى سلوك منظم يمتد من الحقول والمزارع إلى عمق التجمعات السكانية.

يروي المزارع عبد الله عوض المقيم في شمال رام الله، تفاصيل إحدى هجمات المستوطنين التي استهدفت منزله ومزرعته، ويقول إن مجموعة من نحو 15 مستوطناً ملثماً اقتحموا المكان، واعتدوا عليه بعصي مثبتة عليها مسامير، ثم عمدوا إلى تحطيم نوافذ المنزل وتكسير الألواح الشمسية وخزانات المياه، شهادته ليست حالة استثنائية.

ويشير التحقيق إلى أن المزارعين كانوا الأكثر استهدافاً خلال موسم قطف الزيتون الذي يعد مصدر رزق أساسياً لآلاف العائلات، ولم تتوقف الهجمات عند تخريب الأشجار أو سرقة المحصول، بل امتدت إلى الضرب، والطرد من الأراضي، ومنع الوصول إليها بالقوة.

هجمات داخل القرى والبلدات

ويكشف التحقيق أن عنف المستوطنين لم يعد مقتصراً على المناطق الزراعية أو الأطراف البعيدة، بل بات يتغلغل في قلب التجمعات الفلسطينية، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة حوادث حرق لمساجد، وإشعال النار في منازل ومركبات قرب بيت لحم، إضافة إلى اقتحام منطقة صناعية قرب بلدة بيت ليد.

ويقول إبراهيم دلالشة، مدير مركز الأفق للدراسات في رام الله، إن المستوطنين يشعرون اليوم بأنهم فوق المحاسبة، وإن سلوكهم يعكس قناعة بأن القانون لن يطاولهم مهما بلغت خطورة الاعتداءات.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا، سجلت الضفة الغربية أكثر من 260 اعتداءً استيطانياً خلال شهر أكتوبر وحده، وهو أعلى معدل يتم توثيقه منذ بدأت المنظمة تسجيل هذه الانتهاكات عام 2006. 

وتشير هذه الأرقام إلى أن الوضع الميداني يشهد انفجاراً في حجم وطبيعة الانتهاكات، ما يعكس تحولاً في مستوى التنظيم والدعم الذي يتلقاه المستوطنون، سواء من الجماعات المتطرفة أو من أجواء سياسية تسمح بتنامي هذا العنف.

رغم تصريحات خجولة لبعض المسؤولين الإسرائيليين تدين ما وصفوه بالأعمال الفردية، تؤكد منظمات حقوقية أن هذه الإدانة لا تترجم إلى إجراءات فعلية، وتشير منظمة ييش دين الإسرائيلية إلى أن أربعة وتسعين في المئة من التحقيقات في اعتداءات المستوطنين خلال السنوات الثماني عشرة الماضية أغلقت دون توجيه أي اتهام، هذا الواقع، كما تقول المنظمة، خلق بيئة يشعر فيها المستوطنون بأنهم محميون سياسياً وقانونياً، ما يتيح لهم تنفيذ المزيد من الاعتداءات بلا خوف من العقاب.

سياسات تدفع نحو التوسع

يترافق انفلات المستوطنين مع توسع فعلي في البؤر الاستيطانية والمستوطنات التي تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وتؤكد منظمة بتسيلم الحقوقية أن اعتداءات المستوطنين منذ بداية الحرب على غزة أدت إلى تهجير أربعة وأربعين تجمعاً فلسطينياً من أراضيه، ويرى الباحث يائير دفير أن ما يحدث ليس أحداثاً فردية بل سياسة ممنهجة تهدف إلى دفع الفلسطينيين نحو المدن وتحويل مناطقهم الريفية إلى فراغات يسهل السيطرة عليها وتوسيع الاستيطان فيها.

ولا تقتصر الاعتداءات على الأذى الجسدي أو التخريب المادي، بل تخلف آثاراً عميقة في حياة الفلسطينيين اليومية، ويؤكد رؤساء عدد من البلديات أن الهجمات باتت شبه يومية وتشمل سرقة معدات المزارعين، وإحراق ممتلكاتهم، وإجبارهم على ترك أراضيهم التي تضم آلاف أشجار الزيتون، هذه الممارسات ليست مجرد أفعال عدائية، بل تضرب الاقتصاد الريفي الفلسطيني في عمقه، وتهدد أحد أبرز رموزه الثقافية المرتبطة بالأرض.

وتجسد شهادة لافي أديب شلبي، رئيس بلدية ترمسعيا، جوهر ما يشعر به الفلسطينيون في مواجهة هذا العنف المتصاعد، إذ يقول إن الهدف يتجاوز الخسائر الاقتصادية ليصل إلى محاولة تدمير تاريخ فلسطين نفسه. ويؤكد أن الأرض التي يستهدفها المستوطنون هي إرث الأجداد، وأن الدفاع عنها يقابل باتهامات بالإرهاب، في حين يغيب عن المشهد أي ردع فعلي لمن يمارسون العنف المنظم ضد السكان.

انعكاسات إنسانية متفاقمة

الصور التي تنقلها الشهادات والتقارير تعكس واقعاً يزداد قسوة مع كل يوم، فالقرى التي تعتمد على الزراعة تواجه شللاً متزايداً، والعائلات التي تعيش في أطراف المدن تمضي لياليها تحت تهديد الهجمات المفاجئة، والمدارس والمساجد والممتلكات العامة تتعرض لانتهاكات متكررة، ويشعر السكان بأنهم محاصرون ليس فقط في جغرافيا الاحتلال، بل في غياب أي ضمانات للحماية أو العدالة.

شهدت الضفة الغربية تصاعداً تدريجياً في اعتداءات المستوطنين خلال السنوات الأخيرة، لكنه بلغ مستويات غير مسبوقة منذ بدء الحرب على غزة، ويعود جزء كبير من هذا التصعيد إلى توسع البؤر العشوائية، التي غالباً ما تتحول لاحقاً إلى مستوطنات معترف بها. وتغذي البيئة السياسية الإسرائيلية الحالية هذا الواقع، خصوصاً مع وجود وزراء يدعمون التوسع الاستيطاني علناً، وقد وثقت منظمات دولية ومحلية تزايداً حاداً في الاعتداءات ضد الفلسطينيين منذ عام 2022، شمل حرق المنازل وسيارات المدنيين والاعتداء على الرعاة والمزارعين.

ويشير خبراء إلى أن غياب المحاسبة، إلى جانب دعم سياسي مباشر وغير مباشر، أسهم في جعل العنف أداة لتغيير الواقع الديمغرافي في مناطق واسعة من الضفة، وتعد منظمات الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يقوض أي فرص لحل سياسي، ويهدد الاستقرار الإقليمي على المدى البعيد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية